منذ سنتان

كنت فيما مضى و إلى وقتٍ قريب أرى أن قوة الكلمة تكمن فقط في معناها و أي تأثير تحدثه الكلمة في نفوس الناس نابع من فهم و إدراك الناس لمعنى الكلمة و دلالاتها المختلفة ، و أنتجت كامل إعجابي بالكلمات من هذا المنطلق الذي يؤكد قوة الكلمة و ما تتمكن من فعله في النفس و العقل ؛ معتقدًا بأن قوة تأثير الكلمة و قوة وقعها في نفوس البشر يكمن فقط في معانى الكلمات في ذاتها دون أن يتدخل أي عنصر آخر في صنع ذلك الوقع النفسي في داخل البشر عند سماعهم للكلمة صاحبة التأثير ، حتى و بمزيد من المتابعة لبعض النقاشات السياسية و المجتمعية ، أصبحت أرى بأن هناك ما يعادل قوة تأثير معنى الكلمة ؛ فليس المعنى وحده ما يصنع ذلك الوقع النفسي أو التأثير الشديد في عقول و نفوس المستمعين لتلك الكلمة ، بل ربما يفوق المعنى في التأثير العام ، و هى الهالة ؛ الهالة المحيطة للكلمة ، فالهالة لفظ يرمز للدائرة الصفراء التي تُرسم في الكنائس حول رأس المسيح لتلقي في نفس من يراها الاعجاب بهذا الجسم و تضيف للجسد احترامٌ و إجلال ، كما يمكن للهالة أن تلقي الفزع و الخوف في القلوب جراء النظر لما تحيط به إذا كانت صاحبة لون قاتم مُنفر للعين ؛ فهى قادرة على أن تجذب العين للجسم الذي تحيط بها و تضيف له بعض الجمال المُحبب للنفس ، و قادرةٌ أيضًا على أن تُنفر العين عن النظر للجسم الذي تحيطه تلك الهالة السوداء . فالكلمات تملك مثل تلك الهالة التي تجعل البشر يتلقونها - كجماعة - بشيء من الاعجاب او التقدير بالرغم من أن معنى الكلمة في ذاتها قد يحمل متلقيها على الاعجاب و التقدير او عدم الاعجاب و عدم التقدير ، فالكلمات و بدون النظر للهالات المحيطة بها يمكن استقبالها على أكثر من وجه من وجوه المشاعر الإنسانية ؛ فالكلمة الواحدة يمكن أن يختلف تأثيرها النفسي على الفرد عن تأثيرها النفسي لنفس الفرد و لكن في وقت مختلف من عمر ذلك الفرد و بالطبع يختلف التأثير النفسي من فرد لآخر و من مجتمع لآخر ؛ فذلك الاختلاف في التأثير النفسي نشأ عن تلقي الأفراد لمعاني الكلمات ذاتها دون التأثر بالهالة الموضوعة حول كل كلمة ؛ و ربما من أجل هذا عمل الأفراد على إحاطة الكلمات بالهالات التي تساعدهم على توحيد التأثير النفسي للكلمات في نفوس و عقول الأغلبية ، فالإنسان بطبعه لا يحب كثرة الاختلافات التي تنشأ في مجتمعه بل يفضل أن يتفق المجتمع على الكثير من الأمور خاصة الكلمات و الاستقبال النفسي لها ، فالمجتمع يرى أن من مصلحته أن تتوحد به استقبالات أفراده النفسية تجاه كلمة معينة " كالتعصب " فتصبح كلمة منفرة لغالبية المجتمع و يصبح معناها غير محبب للنفوس بالرغم من إذا ما نظرنا للكلمة دون أن تؤثر علينا الهالة السوداء ( المنفرة ) المحيطة بها كان من الممكن أن يختلف الأفراد في إعجابهم أو عدم إعجابهم للكلمة و معناها فنجد عدد كبير من الأفراد يُعجبون بالكلمة و معناها و تلقى في نفسهم ترحيب ، فيتطور الأمر حتى تصبح كلمة مختلف عليها من قبل أفراد المجتمع فلا تصبح كلمة منفرة أو مرفوضة في المجتمع ككل ؛ و هذا ما لا يريده عقل المجتمع - الغير واعي - أن يحدث ، فهو لا يحب حالة عدم اتفاق الغالبية لقبول أو رفض بعض الكلمات و معانيها ، و لهذا يحيط الكلمات بهالات تساعده على توحيد رؤى المجتمع للكلمات و معانيها فلا يترك المجال أمام أحد ليقبل بكلمة و يعجب بها أمام رفض و نفور باقي المجتمع لها ، و هذا منعًا لخلق جدال دائر في المجتمع حول الكلمة و معناها و رؤية الأفراد لها ؛فتصبح الكلمة و تأثيرها النفسي على غالب أفراد المجتمع سواء بالقبول أو الرفض من المسلمات و البديهيات المجتمعية بل أكثر من ذلك يصبح ذلك التأثير النفسي جزء من تقاليد المجتمع التي لا يجب أن يخرج عنها أحد . و يتعدى تأثير الهالة المحيطة للكلمات تأثيرها إذا ما أحاطت الأجسام الأخرى المختلفة ؛ و هذا لما تملكه الكلمات من فاتحات للنقاش و الجدال حول كل كلمة و معانيها و ما يترتب على تلك النقاشات و الجدالات من قوانين و مباديء عامة تحكم المجتمع و تحكم نظرته للأمور من حوله و للكلمات و معانيها . كما نجد أن ما تلقيه الهالة في نفوس الأفراد حول استقبالهم النفسي للكلمة قد يفوق أحيانًا ما يلقيه المعنى الخالص للكلمة نفسها و الحقيقة قضية أيهما أقوى الهالة المحيطة بالكلمة أم المعني الخالص للكلمة ؟ أيهما أكثر تأثيرًا في استقبال الأفراد للكلمات ؟ ربما الإجابة على هذه التساؤلات ليست ذات ضرورة قصوى الآن ،و لكن الضرورة الآن تكمن في أهمية أن يدرك المجتمع وجود مثل تلك الهالات المحيطة للكلمات و أن لها تأثير واضح على استقباله لتلك الكلمات خصوصًا استقباله النفسي لها ، كما أن تلك الهالات تؤثر على استخداماته لتلك الكلمات ، كما تؤثر على ما يبنيه من أراء و وجهات نظر مستعينًا بتلك الكلمات صاحبة الهالات لبناء وجهات نظره و أحكامه المختلفة ؛ فنرى - مثلًا - غالبية الأفراد في مجتمع ما ينظروا لكلمة " الثورة" بنظرة الإعجاب و يوجد شبه إجماع على نظرة الإعجاب تلك ، فما ساعد كلمة " الثورة " أن تلقى ذلك الاستقبال النفسي الجيد هى الهالة التي سبق و قد تم وضعها حول الكلمة لتحبب الكلمة للأفراد و بشبه إجماع ، بالرغم من إذا تم النظر لكلمة " الثورة " بدون التأثر بالهالة المحيطة للكلمة و بالرجوع فقط لمعنى الثورة سيتفرق الناس في إعجابهم للكلمة ، فسنجد مجموعة أعجبها معنى الكلمة و تقبلها و مجموعة أخرى لم تعجبها الكلمة و ترفضها و بهذا لم يتحقق الإجماع و تفرق الناس ، و قد خُلقت الاختلافات و النقاشات و الجدالات الكثير ( و هذا ما لا يريده المجتمع كما أشرنا من قبل ) ، و سيتضح تأثير هالة الكلمة أكثر حينما يبني هؤلاء الأفراد أرائهم و أحكامهم بالاستعانة بكلمة " الثورة " فيحتاجوا لاستخدام الكلمة من أجل اصدار أحكامهم و وجهات نظرهم حول بعض الأحداث الجارية ؛ فنجد الأشخاص يميلوا لتسمية الأحداث التي أحبوها و أعجبوا بها بلفظ و كلمة لها موقع الإعجاب في نفوسهم و موقع الإعجاب في نفوسهم قد سبق و تكون بداخلهم بفضل الهالة المحيطة لكلمة الثورة ،كما يميلوا لتسمية الأحداث التي لم يُعجبوا بها بمسميات و كلمات ليس لها موقع الإعجاب في نفوسهم مثل كلمة انقلاب ؛ فهالة كلمة " الثورة " و هالة كلمة " الانقلاب " قد أثرت على قبول الناس أو رفضهم للكلمتين و من ثم تحولت في نفوسهم إلى مفهوم و قيمة ثابتة و متأصلة بهم ، و من خلال ذلك المفهوم و تلك القيمة الثابتة في نفوسهم يشيدوا وجهات نظرهم تماشيًا معهما ، فما أحبه لابد و أن أطلق عليه كلمة أحبها و ما لا أحبه لابد و أن أطلق عليه كلمة لا أحبها ، و هذا كله تم بنائه على أساس تم التأثير عليه بهالة محيطة لكل كلمة قد وضعها المجتمع من قبل ، فإذا لم نكن تأثرنا من البداية ربما كان لاستقبال كل شخص لكلمة ثورة أو انقلاب أو تعصب مختلف عن ما تم استقباله تحت تأثير الهالة المجتمعية. #معتز_خالد_حسين

Bazz Logo Download

استكشف محتوى ممتع ومشوق

انضم لأكبر تجمع للمجتمعات العربية على الإنترنت واستكشف محتوى يناسب اهتماماتك

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح